بعض المصلين لا يهتمون بتسوية وضعهم بالصفوف في صلاة الجماعة ، فتراه يتقدم أو يتأخر أو يترك بينه وبين الذي يصلي بجواره فراغا...
فما الحكم في تقصير المصلين في مسألة تسوية الصفوف؟ وسد الخلل فيها ؟
** الجواب **
حثَّ الشرع الحكيم على تسوية الصفوف ، وإتمامها ، وسد الفرج بين المصلين ، وبين فضيلة هذا العمل ونهى عن التقصير في ذلك .
فمن هديه ﷺ أنه كان إذا وقف يصلي بالناس -وبعدما يفرغ المؤذن من الإقامة- يلتفت النبي يمينًا وشمالًا، يحرض الصحابة على أن يسووا صفوفهم ويقاربوا بينها .
- عن أنس -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل علينا بوجهه قبل أن يكبر فيقول: «تراصوا واعتدلوا» .
- وعنْه أيضا أَنَسِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( سَوُّوا صُفُوفَكُمْ , فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّوف مِنْ إقامة الصَّلاةِ ) رواه البخاري ومسلم .
- وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلاةِ وَيَقُولُ : ( اسْتَوُوا , وَلا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ ) رواه مسلم (432 ) .
- وعن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رضي الله عنهما قال : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَوِّي صُفُوفَنَا حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاحَ ، حَتَّى رَأَى أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ ، ثُمَّ خَرَجَ يَوْمًا فَقَامَ حَتَّى كَادَ يُكَبِّرُ ، فَرَأَى رَجُلا بَادِيًا صَدْرُهُ مِنْ الصَّفِّ ، فَقَالَ : ( عِبَادَ اللَّهِ ، لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ ) . رواه البخاري ومسلم .
قال النووي في "شرح مسلم" : ( يُسَوِّي صُفُوفنَا حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاح ) الْقِدَاح هِيَ خَشَب السِّهَام حِين تُنْحَت وَتُبْرَى , مَعْنَاهُ : يُبَالِغ فِي تَسْوِيَتهَا حَتَّى تَصِير كَأَنَّمَا يُقَوِّم بِهَا السِّهَام ، لِشِدَّةِ اِسْتِوَائِهَا وَاعْتِدَالهَا " .
- ونَدَبَ النبي أمَّتَهُ أن يصفُّوا كما تصفُّ الملائكةُ عند ربِّها ، يتراصُّون ويكملون الأول فالأول ،
-عن جابر بن سَمُرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهِا؟)، قلنا: وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهِا؟ قال: (يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ، وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ) رواه مسلم.
وإذا وصلتك كل هذه الأحاديث والآثار الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم ..
**** فما هي تسوية الصفوف في الصلاة
تسوية الصف في الصلاة هي ألا يتقدم أحد على أحد ، لا بصدره ، ولا بكعبه .. ولا يترك أحد فرجة أو فراغا بينه وبين من يصلي بجواره .
جاء في "عون المعبود" أن : " الْمُرَاد بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوف : اِعْتِدَال الْقَائِمِينَ بِهَا عَلَى سَمْت وَاحِد " .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " تسوية الصَّفِّ تكون بالتساوي ، بحيث لا يتقدَّم أحدٌ على أحد ، والمعتبر في ذلك تسوية المناكب في أعلى البَدَن ، والأكعُب في أسفل البَدَن . . .
وإنما اعتُبرت الأكعب ؛ لأنها في العمود الذي يَعتمد عليه البدنُ ، فإن الكعب في أسفل السَّاق ، والسَّاقُ هو عمودُ البَدَن ، فكان هذا هو المُعتبر . وأما أطراف الأرجُل من الأمام فليست بمعتبرة ؛ وذلك لأن أطراف الأرجُلِ تختلف طولا وقصرا ، فبعض الناس تكون رِجْلُه طويلة ، وبعضهم قصيرة ، فلهذا كان المعتبر الكعب ، أي مساواة الأكعب للمصلين في الصف الواحد.
-عن سويد عن بلال قال: كان -أي النبي- يسوي مناكبنا وأقدامنا في الصلاة .
*** ومِن تسوية الصُّفوف :
التقاربُ فيما بينها وبين الإمام ، وإتمام الصفوف الأولى ، فلا يُشرع في الصَّفِّ الثاني حتى يَكمُلَ الصَّفُّ الأول ، ولا يُشرع في الثالث حتى يَكمُلَ الثاني وهكذا ،
ومن التسوية أيضا تفضيل يمين الصفِّ على شماله ، وسد الفرج بين المصلين ، فلا يكون بين المصلين فُرَج تدخل منها الشياطين ؛ لأن الشياطِين يدخلون بين الصُّفوفِ ؛ من أجل أن يُشوِّشوا على المصلين صلاتَهم .
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (رُصُّوا صفوفَكُم وقاربوا بينَها وَحاذوا بالأعناقِ، فَوالَّذي نَفسي بيدِهِ إنِّي لأرَى الشَّيطانَ يَدخلُ من خللِ الصَّفِّ كأنَّها الحذَفُ). والحذف صغار الضأن .
-وقال صلى الله عليه وسلم : (( تراصوا ولا تدعوا فرجات للشيطان )) [ رواه أبو داود وهو صحيح ] .
- وعائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: (من سدَّ فُرجةً رفعه اللهُ بها درجةً، و بنى له بيتًا في الجنَّةِ)،
- وورد أيضا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (خيارُكُم ألينُكُم مَناكبَ في الصَّلاةِ، وما مِن خطوةٍ أعظَمُ أجرًا مِن خطوةٍ مَشاها رَجلٌ إلى فرجةٍ في الصَّفِّ فسدَّها)، فهذا الحديث يدلّ على مدح المُصلّي الذي يلين بينه وبين المصلي الذي بجانبه لسدِّ الفُرج ، فأفضل النّاس من يقوم بتسوية الصف وسدِّ الفُرج واستقامة الصّفوف لأداء الصّلاة على الوجه الذي يُحبّه الله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((... ومَن وصل صفًّا وصله الله، ومن قطع صفًّا قطَعَه الله)).
عن خيثمة قال: صليتُ إلى جنبِ ابن عمر رضي الله عنهما فرأى في الصف فرجةً فأوَمَأ إليَّ فلم أتقدَّم، قال: فتقدَّم هو فسدَّها .
*** حكم التسوية شرعا
اختلف أهل العلم في حكم تسوية الصف،
وذهب بعضهم إلى أن تسوية الصفوف واجبة أي يترتب على تاركها الإثم،
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ذهب بعضُ أهل العِلم إلى وجوب تسوية الصَّفِّ. واستدلُّوا لذلك: بأمْرِ النبي صلى الله عليه وسلم به ، وتوعُّدِه على مخالفته ، وشيء يأتي الأمرُ به ، ويُتوعَّد على مخالفته لا يمكن أن يُقال : إنه سُنَّة فقط .
ولهذا كان القولُ الرَّاجحُ في هذه المسألة : وجوب تسوية الصَّفِّ ، وأنَّ الجماعة إذا لم يسوُّوا الصَّفَّ فهم آثمون ، وهذا هو ظاهر كلام شيخ الإِسلام ابن تيمية .
وقد بوب الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه : ( باب إثم من لا يتم الصفوف ) , وأورد فيه بسنده عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَقِيلَ لَهُ : مَا أَنْكَرْتَ مِنَّا مُنْذُ يَوْمِ عَهِدْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : ( مَا أَنْكَرْتُ شَيْئًا إِلا أَنَّكُمْ لا تُقِيمُونَ الصُّفُوفَ ) رواه البخاري .
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" : " يحتمل أن يكون البخاري أخذ الوجوب من صيغة الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم : ( سوّوا صفوفكم ) ومن عموم قوله صلى الله عليه وسلم : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) , ومن ورود الوعيد على تركه , فترجح عنده بهذه القرائن أن إنكار أنس إنما وقع على ترك الواجب , وإن كان الإنكار قد يقع على ترك السنن .
وبالرغم من أن جمع معتبر من كبار علماء الأمة يقولون بوجوب تسوية الصفوف إلا أن جمهور العلماء ذهبوا إلى سنية تسوية الصفوف وتأكدها، ولا إثم عندهم على تاركها، وإن كان قد فاته الخير الكبير، والفضل العظيم، والأجر والثواب والكمال.
فالحاصل أن تسوية الصفوف سنة مؤكدة، وليست بواجبة عند جمهور العلماء، وعلى هذا فمن تركها لا يأثم، والذي يطلبها من الأخرين ولا يستجيبون له قد فعل ما عليه.
والله أعلم.